الثلاثاء، 13 يناير 2009

توليفة الورد في (ولك اعتذارات بنفسجات ذابلات ) شعر/ الدكتور الحبيب:جمال مرسي

توليفة الورد في :

(و لكِ اعتذارُ بنفسجاتٍ ذابلاتْ)

شعر : د. جمال مرسي

في ماهية العنوان :

عادة مايكون العنوان مضفاة لما بداخل النص ,ينبئ بما يكاننه ذاك المتعلق بخبرات وخطرات المحتوى ,حيث تتجلى الأفكار كتوليفة تحاكي عذرية الإقتباس من معاني البوح وجديلة الحرف,,في عنوان النص الشعري الذي أمامنا إشراقة في مهب النسيم الألق صباحا ,,فالبنفسج دلالة على فوح المكان بعاطر الرائحة ,وذبول البنفسج تدلال على صفح لرغيمة النوى ,وشكيمة الصبر على عذرية الشوق ,,فالقصيدة اعتراف بالتقصير اتجاه الحبيبة ,,

في ماهية النص جماليا:

لاأدعي هنا قراءة ولادراسة نقدية ,إنما هي مجرد تأمل ومتابعة لجماليات هذا الألق الآسر الذي شدني حرفه ,وأنا أعرف أن لسطوة البوح عند الدكتور الشاعر /جمال مرسي ,جمالها وألقها ويخضورها ونسغها العامر ,فقد قرأت له الكثير من القصائد الخالدة ,التي ترحل بنا إلى عوالمه المؤثرة ,وهو الشاعر المتمرس الذي يجمع كل ألوان وأصناف الشعرية التي تشتغل على الوزن والقافية ,وفكره السامي جعل من نصوصه تلج بكل يسر وسلاسة ذوق وذائقة كل متلقي ,فحين تقرؤ له يشدك الحنين لمعاودة السرحان في تأمل ذاك البذخ الغيداق ..

النص:


هُوَ ليسَ لِبلاباً ،
فكيفَ تَسَلَّقَ السُّورَ العظيمَ إلى حدائِقِ يَاسَمِيِنِكِ
و اشرَأَبّْ .

اللبلاب شجرة باسقة الطول وارفة الظلال ,عبقة الفوح ,نافحة في غدق النسمات التي توعزها المساءات الخجلانة ,,والمعنى هنا :

هذا البنفسج الذي يحاكيه شاعرنا الفحل ,ليس ذاك اللبلاب الفارع الطول الذي يتسلق الجدران ليصل إلى الشرفة ,فكيف به وقد وصل إلى حدائق محبوبته ,وأطل طلول اشرئباب إنها بداية الحكايا في معزوفة وُجد ساحرة..


هُوَ ليسَ غيماً ،
كيفَ أسقطَ ثَلجَهُ ناراً تَلَظَّى
فوقَ رَوضَةِ مَن أحَبّْ .

أنظر معي هنا أيها القارئ المتفحص في أتون المعاني ,أتراه الثلج يسّاقط كالرطب الجنية, ليضحى أو يعشى نارا ذات أوار في عشواء البوح,,إنها بلاغة تشبيهية تنضاف للرصيد الكبير الذي يملكه الشاعر الدكتور,, الغيم عادة يثير المطر بعد سحاب مركوم,أوثلج ناصع في شتاء الفصول ,فهنا دلالة أخرى على أن المحبوبة توغر فيه جراح النوى والهجر فتتولد المشاعر براكين لاناصية من الإنفلات منها ,لتدفئ روضة صفيّته,,

هُوَ ليسَ بُركاناً ،
فكيفَ تجرَّأت يَدُهُ على حَرقِ الغُصُونِ
لكي يُفَزِّعَ في رُؤاكِ حَمَامَتينِ
فتَهرُبانِ إلى الفضاءِ
على جناحٍ من لَهَبْ .

البراكين التي تشعلها حروقات القلب ,تثورحراقة على مدد الغصون ,وتنفر الحمامات التي تطل على بساط الفضاء كأرجوحة حالمة في غمرة محمومة من سرابيل التأوهات الوجيعة ..


هو ليس جُلموداً تهاوى
من جبالِ العنفوانِ
إلى ينابيعِ العذوبةِ كي يُعَكِّرَ صَفوَها
أو يستبيحَ عنادلَ الأحلامِ
في روض العِنَبْ .

وفي لحمة المتعارف تستدرك ماهية البوح أكثر في خيالات الأحلام الراعفة, التي تسائل وحيها كي يستنار عباب الموج الهادر الطافح كنوتة موسيقية تخامر الذهن ,وتلقي باعها على روضة الفؤاد,,


هو ليس لِبلاباً ، و لا غيماً ،
و لا حِمَماً تَثُورُـ و إن تَظَاهَرَ ـ أو صخوراً
ليس قديساً ليزهدَ في جمالكِ
إنَّما روحٌ و قَلبْ .
***

هذا الوجه المتسامق في عتو بياضه كوردة بيضاء تدعو الأنوف لمشاممتها ,فتتنسم الأرجاء عبيرا وتتفرق في الأسارير كرذاذ مطر خلب ,يخلو بالروح وينعشها ,,يتظاهر في طهر الحب ونصاعة ريحه,,إنه كما البلسم يضفي الصفاء على القلوب العليلة..


لا تعذليهِ
إذا تمرَّدَ في هَواكِ
و شَقَّ سِترَ الصَّمتِ بينكما
فقد أدمتْهُ أشواكُ الطريقِ ،
سياطُ أجنادِ الخليفةِ ،
و افتراءُ الحاسديهِ على عيونكِ
إذ رَمَتهُ سِهامُهُم من كل صَوب.

في قولك (لاتعذليه ),ذكرتني بقصيدة الشاعر

أبو الحسن علي (أبو عبد الله) بن زريق الكاتب البغدادي.

420 هـ / 1029 م

القائل فيها:

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ** قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ

جاوَزتِ فِي لَومه حَداً أَضَرَّبِهِ** مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ

فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً **مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ

والعذل في اللغة هو اللوم ,وشاعرنا هنا يرمي بشتيت اللائمة على ذؤابات الوقت ,وينبه الحبيبة أن لاتلومه حين يتمرد في هواها ,فالوجيعة التي هالت بأنفاسها على قلبه ,تركت النوى قاعا صفصفا ,وأبلجت تناور في عروق القلب ,لتجعل من أخبارها طيفا يستمي منه وحدته ,وضنى غرباته ,,

وهالني تشبيهه البليغ في شق ستر الصمت ,مما يغري فينا التنصت لهذا الوهج الجميل ,والرصيد الباهر الذي يملكه شاعرنا الراقي ,مما يجمع على تتبع كل فصل من فصول حكاياه في ملهمته ..وفي لحظة منفلتة من الزمن ,يكسر طابو الخوف والرهبة من الأساطين التي تغمس الضغينة في مرؤوسيها مما تثير سلطة السوط ,ولكنه لايخشاهم حين يلج إلى مدرك حبه لها .


لا تعذليهِ
إذا امتطى بحراً إليكِ
و قد تشبَّث كالغريقِ بطوقِ وَردِكِ
يا أميرتَه التي أهدتهُ مِفتاحَ التوهِّجِ
فوقَ صَحنٍ من ذَهَبْ .

حيال هذا الألق السحري الذي يغوص في عميق النفس ليثير شغاب الوجد إلى ملهمة تتسامى في إلهامها إلى باحات العلياء ,وتنير دروب الرغبة في الحياة ,,


لا تعذليهِ
حدائقُ الرمَّانِ تُغري بالقِطافِ
و قد طَوَى خيلَ المَشُوقِ
إلى حديقتِكِ السَّغَبْ .

إن ضمأ المخيال المطوّف بين ريوع القلب ,وشيوع المتنفس ,ينطوي على أريكة مثبتة في منتصف القامة ,,الخيال مُدرَكها والنفس مشتهاها ,حديقة غنّاء لابديل للضمآن عن العبّ والسقيا منها ,وقطف رمانها الواقف كسد منيع في وجه السغب,,


و على الصَّدى ـ في رحلةِ الظَّمَأِ المُميتةِ ـ
أَبصَرَت عَيناهُ كَأساً مِن رَحِيق الثَّغرِ
تَلمعُ في مدى ياقُوتَتَينِ
تُعِيدُهُ للنُّورِ لو منها اقتَرَبْ .

وهل هناك تشبيه وبيان يغري مثل هاته الفانوسة التي تضيء دروب الروح ,,ليشبّه اللعاب الذي يسيل من سقوة الرغبة ,لضمإ يتعسر صداه ,ويترنح كالرحيق مختوم ,يغدق الأنوار على دائرة الشوق التي يقترب منها العاشقان,,؟!..


و حمامةً حطَّت على كتِفيهِ
تحملُ في الجناحِ رسائلَ العطرِ ،
الأنوثةِ ،
و التوهُّجِ ،
تنفضُ الرِّيشَ الذي رَوَّيتِهِ من لونِكِ الخَمريِّ
خمراً يُذهِبُ ال ما قد تبقَّى من حِجا
حينَ انسَكَبْ .

الحمامة التي تحمل رسائل العطر هي نور يتوهج في دهماء النوى ,ليغرس بتلات الشوق عبر أريحية مثبتة حيث الأنوثة تحبس الأنفاس ,والتوهج يغري الأرجاء التي تغسل جذوع الغراس,,لتسكب الخمر المعتق في طول الإنسكاب الذي تثريه قبّرة القلب,,


لا تعذليهِ
دَعيهِ في بحرِ الصَّبابَةِ غارقاً
هل كان يُؤثَمُ إنْ تَجَاوَزَ في ارتِشافِ الشَّهدِ صَبّْ ؟


***

ومن يشهد على طاقية الشهد المتصابب عنوة على وهاد الجوى العذري ,ليطرق أبواب الحبوس من العثارات المنسكبة في أتون الرغبة,,حتما سترتوي الأنفاس من مدرك الصّبّ في مستهل المقامة..


هي لحظةٌ للإعترافِ
فسامحيهِ
لكِ اعتذارُ بنفسجاتٍ ذابلاتٍ
يَبَّسَتْهَا رِيحُ أشواقٍ إليكِ
على أفانينِ الترقُّبِ و الأَرَبْ .

ولأهل النفوس التي تختال في بديع التصور تنسل من حراك الوهج لتنثر الرائق ,وتبوح بالمتفرد من القول ,ليس اعتباطا ,ولكن لتقر به عين الحبيب التي تنضوي تحت سطوة الفؤاد,,جسّار هو هذا الألق الشعري ال يرغب في اعتذار بطعم الشهد ,ال هذا الوارف كظلالة صيف لألاء الحر,,

ولأن يباس البنفسجات كان من صنيع الشوق إلى البعيدة جراء ترقب وانتظار ,حري به أن يملأ المكان باعتذار العاشق الولهان,,

و لتصفحي
إمَّا تجاوز كلَّ غَيمٍ في السَّماءِ إلى شُمُوسِكِ
يَستَمِدُّ الدِّفءَ و الأنوارَ
ـ يا مَولاتهُ ـ
و لترفعي عنه العَتَبْ .

في نهاية المطاف ,ودحضا لكل شبهة تتحامى لتفتح ألف باب للحديث الواهي ,كان الصفح ,وطلب الإعتذار شماعة لنهاية الأرب ,ومزلاج لكل غصون التيه اللاتنتهي ,هاهنا يستدعي شاعرنا لغة أخرى من لغات العتاب واللوم ليستبدلها بلغة ساحرة ,هي لغة الصفح ودحض اللائمة ,يدعوها لأن ترفع عتابه ,وتستطيب رضابه في عسيلة الوجد والنوى,,

**************

كمال أبوسلمى /13أكتوبر2008م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق