الجمعة، 9 يناير 2009

النقش بالحناء ,,للشاعر صبا زين

النقش بالحنا و صبا زين

..


,,,,


النقش بالحنا
أبكي و أبكي وأبكي

مستكين أنا في ظلمتي
ليس بيني وبين حضنها الدافيء...
سوى آلاف المسافات ..
وأربع مطارات.... وخمسون انتظاراً
وأجثو على ركبتي وجعاً كرغيف مستدير...
يشبه الوطن
يشبه كفيها المتعبتين... يقسمه خط من المنتصف...
نصفه روحي.... ونصفه الآخر... الثمن

أبكي و أبكي وأبكي
لا شيء ينير المكان
لا شيء يرجع الزمان
لأعود طفلاً في حضنها ألعب
((
يما... خايف من المطر...
((
تعال يما في حضني تخبى... تعال يما في حضني نام))
يما... أي نوم في الجليد؟!
أي نوم في مدينة لا تستيقظ إلا على طرق الحديد ؟!
أي نوم يما في صباح لاأصحوفيه على قهوة بالهيل...
لا أصحو فيه إلا على قلب مترع بالويل

تطبق كتبي علي...تلك الصفراء المهلهلة...كروح هذه المدينة التي تعانق السحاب
تلك الباردة التي ليس لديها قصص تخفيها خلف الأبواب


أبكي و أبكي وأبكي
و أخرج من بين ثنايا الضلوع غصن زيتون...... وحفنة تراب... وضعتها لي قبل الرحيل...
كي أتبارك بها... وأتباهى بها
وحفنة حنا.. وصوت بعيد في رأسي يغني ( سبل عيونه ومد ايده يحنو اله)

في مدينة الجفاف هذه
كيف أقطع ما اتصل بك بحبل سري؟ !!
لا زلت وليد الرحم
لا زلت شامةً أنا على خدك
أبكي و أبكي وأبكي
مشتاق للثم الخد... ولثم الكف... ولثم الأرض


في تفاصيل بُعدي... أشياء صغيرة... كيف أرسمها لك!!
فيها كل شيء يا أمي سوى أرض حانية...
سوى رائحة ماء الورد
صرت أهاب الأشياء كلها....
أخشى أن تمتد إلي يد العدوى ... فأصاب بالصمم
كما أصيب القلب من قبل.... وصار كالصنم
قبل أن أرحل بعيداً عنك كي أعتلي... في خيالي القمم...
كي أقطن في غربة موجعة ...

لا أدر إن كنت يوماً سأجد طريقاً في الاتجاه المعاكس
في اتجاه لبيتي القديم... والحارة والمدارس
ولحنيني القديم... وصحبي والملابس
لا أدرى أي قطار سيحملني يوماً
بعيداً عن غربتي... باتجاه دكان الألعاب والعرائس
وللإغفاء في حضنك يما.... لا رهبة ولا خوف .... ولا هواجس




قراءة الأستاذ القدير كمال أبو سلمى

نظرة تأملية عابرة في لحاف * النقش بالحناء*

في النص/

الحناء رمز من رموز الجمال لدى النساء ,استعملتها المرأة منذ القدم ,لتعطي مثالية الرمزية التي تتأسى على صنيع الإبتهاج والبهاء ,وكما تعطي الرونق والزينة إيفاءها وحقها المنوط ,تزيد من إشراقة العروس لتهاوم ذاك المستدرك من الوعي الإجتماعي والقبس الفكري المختزل كسلاح يتسلط على قوى القلوب الولهانة ,والأنفس العطشى لرؤية الأبهة والجلال في تمام الكمال..
يصح أن يجيء النص كما هو * النقش بالحنا* وهو بالمفهوم العامي واللهجة العربية المحلية ,كما يصح تماما إذا ماكتبت أو أسندت إلى لغتنا السيدة ولكن هكذا * النقش بالحناء* وهذا الأصح والأنسب...

" النقش بالحنا"
النقش بالحنا
أبكي و أبكي وأبكي

وفيم البكاء والنص يحاكي زمردة من لآلئ الجمال والفتنة ,لدى الأنثى ,هي الحناء غور في عطاس الخيال ,واستنكاف على الصنيع المتسربل في هبوب الجمال..وهل هذا السابح في وطأة الجوري ,وأرطأة النوى يعيرنا إلى عثرة مجروحة ؟..ماأظن, لأن الظن أكذب الحديث .أكاد أجزم أن التقاطع في الرؤى يغوص في المستهل من كل انفعال..وزمرة هذا المستدرك رحلة في أتون عمارة النفس .ثم يروق له الحديث في النتاج المتحلحل من سطوة هاته التأملات:

مستكين أنا في ظلمتي
ليس بيني وبين حضنها الدافيء...
سوى آلاف المسافات ..
وأربع مطارات.... وخمسون انتظاراً

تكاد تتفرس حال هذا الباحث عن كنهه ,امرؤ تقرؤ ملامحه وتفاصيله مختزلة في عري الأمكنة ,هنا آلاف المسافات مقدرة بأمثالها من الآلام والأحلام الحائرة ,والرؤى الثكلى القابعة في جرم البعد..وأربع مطارات كمحطات *ترانزيت* تتوه في منارات البعد ,وأشواق لاتجيء ,تلك رحلة لها انتظار ذي طوابير لانهاية لوجعها,لاحدود لحدودها ,تقاسيم وتسليط الضوء على أرخبيل الفاقة الزمنية بأنياطها وتسمراتها المائسة كبعد من زهوة إلى غفوة..
-
تصويب ضروري : الدافيء /تكتب هكذا الدَّافِئِ
-
وأجثو على ركبتي وجعاً كرغيف مستدير...
يشبه الوطن

ولما تتشابه الأنفاس بالأوطان يصير لهاته الأوطان عثرة الأمكنة , تجاس خلاله الرغبة في الحياة , كمشروع لفصم الغربة التي تبيح التهجين والتدجين بعيدا عن الأهل والصحب والتربة واللغة..كما تغرس الرجولة والأنفة ,,

يشبه كفيها المتعبتين... يقسمه خط من المنتصف...
نصفه روحي.... ونصفه الآخر... الثمن

لما يصير البحث عن الكرامة ,يعنى بالنفس والنفيس ,يصبح تقبل الأشياء مشاعا بالسليقة بين النساء والرجال على حد سواء, كمدرك له ماهيته ,وسبله وأغواره..في إطاره المنوط به..

أبكي و أبكي وأبكي
لا شيء ينير المكان
لا شيء يرجع الزمان

تذكرني بقصيد لصديقي الشاعر الراحل عبد الله شاكري الذي يقول فيه:

يهذي ,,
ويهذي ,,
ويهذي ,,
ثم يضحك عاليا ثم يبكي ,,
ويضيع بعدها في السبات ,,
أغلب الظن أن صاحبي,,
لايرتوي بالقصيدة,,!!

ولأن دوام الحال من المحال ,فإن تصديق الأشياء عادة يجيء من خلال ثمرة البحث والتحري عن الغائر والمستظهر من الأشياء فرع ثابت في شجرة الحياة ,له نبعه وسطوته وحواريته ,كمشروع لخصم الألم والنفور من ضنك الشنآن..ولأن الألم مصدر للغربة والبعد كان التملص منه يستدعي التضحيات الجسام...

لأعود طفلاً في حضنها ألعب

ولأن هاته الغربة وهذا النوى يسكن القلوب الحافية ,تماما كطفل بريء, أو كفاصلة نقطية في معادلة من الدرجة الأولى , يصير هذا النخب كعصفور في حضن أم رؤوم:

(( يما... خايف من المطر...
((
تعال يما في حضني تخبى... تعال يما في حضني نام))

بنبرة أهل البادية المستلهمون من أطيط الوجع عناوين الحياة المتعبة,والمستنكفون على رصافة المكان ,وحصافة المبنى ,تعج مخيلاتهم بالأسئلة المطردة : *لم ..كيف ..هل .. * سؤال يتداخل في سؤال ,وجواب يخونه السؤال:

يما... أي نوم في الجليد؟!

وهل ينام البشر على الجليد إنه السؤال الذي يخونه الجواب؛ تماما كمن يلزم مالك قصر أن ينام على حصيرة رثة بالية..!!

أي نوم في مدينة لا تستيقظ إلا على طرق الحديد ؟!
أي نوم يما في صباح لاأصحوفيه على قهوة بالهيل...
لا أصحو فيه إلا على قلب مترع بالويل

هنا تبدأ التساؤلات ,تكبر الإستفسارات ,تتداعى أنماط التذكر,تنتعش الأفكار في مخيلة شاعرنا ,عله يجد له مخرجا من حصار يكتنف هاته الذات المتغربة ,هاته الذات المتسامحة مع نفسها ,المنصهرة في كلكل الغربة ,والمتهللة للقاء الأحبة ,مهجة تجلوها كمطرد في صيرورة ذائبة في شجو التفسير ,في منطلق لاغاية منه إلا الوصول إلى حالة التماهي,حالة تخلو من هول الإنطواء ,والإنزواء المطبق بعيدا عن الناس بعيدا عن الحياة..... كالمحاصر الذي هو بحاجة إلى بؤرة ضوء ,وقهوة بالهيل ,والهيل حشيش يضاف للقهوة ليعطيها نكهة ومذاقا منعشا ,أو على أديم في أرض مترعة بالعطاء..

تطبق كتبي علي...تلك الصفراء المهلهلة...كروح هذه المدينة التي تعانق السحاب
تلك الباردة التي ليس لديها قصص تخفيها خلف الأبواب

حين تغوص في مكنونات الأنا ,تحبس أنفاسك هنيهة وأنت تراودك الذكريات لألوية الحياة التي تصر في أحايين على غلق مساراتها في وجه منتسبيها من المتلكئين والمتصاعرين والمتهلهلين ,ربما بفعل الخيبة ,وربما بمحض الصدفة ,تغرس أفكارهم ,وتنتحل شخصيتهم ليذودوا عن حياض لامنتهى لغسيل مرضها , ولأنه أعادنا إلى ذهنية صاحب الحيوان والبخلاء ,الذي كادت كتبه أن تجهز عليه ويموت , فهو يستفزنا إلى ضغينة هاته المدينة التي تشبه السراب ,أو كحكاية غير مفهومة من وراء الجدر.

أبكي و أبكي وأبكي
و أخرج من بين ثنايا الضلوع غصن زيتون...... وحفنة تراب... وضعتها لي قبل الرحيل...
كي أتبارك بها... وأتباهى بها
وحفنة حنا.. وصوت بعيد في رأسي يغني ( سبل عيونه ومد ايده يحنو اله

)
يعود مرة أخرى ليشنف الأسماع ويفري فريه في لحاظ الجمال والتذكار من خلال غصن الزيتون الذي يُعبِّرعن السلام والوئام والإنتماء للأوطان ,ولو كان في نوء عن هاته الأوطان.أو بحفنة تراب لإشباع الروح والقلب ,والتراب الذي يعفر الوجه هو تسبيحة في الدلالة لحب الوطن,أو هو للتبريك والتباهي كما يرنو إليه شاعرنا..وحفنة الحناء تجاوز للمألوف في منطوق المرادف للبهاء كجسر إلى تفاحة الحياة..والمثل الشعبي الذي أورده تحفة كلامية لها مراسها الثابت..

في مدينة الجفاف هذه
كيف أقطع ما اتصل بك بحبل سري؟ !!
لا زلت وليد الرحم
لا زلت شامةً أنا على خدك
أبكي و أبكي وأبكي
مشتاق للثم الخد... ولثم الكف... ولثم الأرض

عذرية الحب ونشاف القلب لهاته الطفرة المحيكة لسهو الإنبعاث في وطن يكبر وبنيه بعيدون عنه ,يرسمهم الهجر ويغذيهم النوى ,ويهجعهم التغرب ,وتنكأ لهم الحياة من أساها وأواربعدها ,وتبعلهم بها ,إنها ثورة الجوع ,والألم والوطن,وعطش الأهل وسهو الإغتراف من حيرة القرب إلى غدر النوى والبعد,,كم يشتاق هذا النائي إلى لثم الثغر وتقبيل الخد كدلالة تمحيصية على مسغبة النفس,ولثم الكف كأرخبيل يعطر لغوب المساء ,وصروف الأرض المحشوة بالداخل ,المنحشرة كجنين ببطن أمه..لم يحن أوانه ولم يقطع حبله السري بعد.

في تفاصيل بُعدي... أشياء صغيرة... كيف أرسمها لك!!

كيفما تشاء ,فالحيثيات هنا لامكان لها ,الحيث جريرة هنا ,إذ المطلوب رأسا هو مطلق الحرية في استقراء المُعرَّفِ,,

فيها كل شيء يا أمي سوى أرض حانية...
سوى رائحة ماء الورد
صرت أهاب الأشياء كلها....
أخشى أن تمتد إلي يد العدوى ... فأصاب بالصمم
كما أصيب القلب من قبل.... وصار كالصنم
قبل أن أرحل بعيداً عنك كي أعتلي... في خيالي القمم...
كي أقطن في غربة موجعة ...

الرحيل إلى جمرة الغربة ينكأ الجراح الغائرة ,يعبد السبل التي تمتد في الرهبة ,يسيطر على القلوب العريانة التي لاتعرف للكره طريقا ..لأن الوفاء إلى الأوطان عملة نادرة ,وهناك حكمة تقول:
*
الوفاء عملة نادرة والقلوب هي المصارف, وقليلة هي المصارف التي تتعامل بهذا النوع من العملات..*
ومن الجميل في هذا المقطع ,هو ذاك التناسخ بين القلوب وصداها ,وذاك التماهي بين الحال والمقام,والسكن في الغربة الموجعة ,عنوان لاعتلاء مهمات الرجال .. ومن الغربة يخلق الرجال..

لا أدر إن كنت يوماً سأجد طريقاً في الاتجاه المعاكس
في اتجاه لبيتي القديم... والحارة والمدارس
ولحنيني القديم... وصحبي والملابس
لا أدرى أي قطار سيحملني يوماً
بعيداً عن غربتي... باتجاه دكان الألعاب والعرائس
وللإغفاء في حضنك يما.... لا رهبة ولا خوف .... ولا هواجس

بعيدا عن ضيم الغربة ,وركلات البعد ,وتشنجات الإنفطار التي تزرعها محابس الألم ,وأسياط الوجيعة ,وبعيدا عن الخوف من القادم ,والرهبة من الحاضر والضرب في الآتي لعل الآتي يكون مزلاجا للتعسف الذي تكتنفه أغسلة التألم ,وأحراش الهروب من الذاكرة ,,
هاهو شاعرنا يتذكر طفولته المنغرسة بين ثناياه ,يتذكر وبحسرة لعبة العرائس ,حارته الرحبة ,أخلاءه وأترابه ,أسرار الأرض ,ومنابت الزرع ,وحليب الماعز,ودجنة الليل المنساب من حفيف الورق المقوى ,ولغة الضفادع في سمرة القمر,بجوار الوادي القديم,ورائحة التبن والتراب الذي يعفر به وجهه ,والأرضة التي تتطاول كأنها قطار من الحياة يمر على سبل الزمن,,,يتذكر أمه والجيران ,وأعراس القرية ,ورائحة الشيح والفجل ,يتذكر الأرض التي قهره الزمن وخبز اليوم ليرتحل منها إليها ,لعل الذكرى تعيده إلى إسورة الحب ,لعله ينسل من هاته الرؤى شبح الوجد فيركض هو سريعا إلى وجنة القلب ..

خلاصة:
كانت تلكم حكاية حناء تناثرت من وعوثة الزمن ,تغتال الأرض التي بين جنبات الواحد منا ,تؤرخ لمرحلة من أعمارنا ,تميط اللثام عن غربة بعمر الحناء,بعمر الزهر والورد ,تتقاسم أفكارنا, آمالنا أحلامنا ,آهاتنا تأوهاتنا..خلجاتنا وكل الذي يحوطنا ,إنها تنسل من بضع الأمل لتعانق الحياة المنفوسة..إنه نص يحمل جمالية صافية ,وبأسلوب يمزج بين السهل الممتنع والدارج الممتع ,وبتناص فكري يبحث في الأنا والأنا الآخر لعل الماهية الزمكانية تقتسم رهبة الألم وألم الرهبة...






أشباح الليل.jpg

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق