الجمعة، 9 يناير 2009

إزاحة الغموض الذي يكتنف غموض ,,!! نص حصة الحربي

نكمل رحلتنا مع النصوص والأقلام الرائعة


نتأمل تحليل الأساتذة الأفاضل برؤية تكشف جمال النصوص وتسعى لتصحيح هناتها



نحلق اليوم مع أختنا الغالية حصة الحربي



غموض ..!


لازالت جدتي مُساجلة بين الوقوف على شُرفة حُجرتها وبين الجلوس على مُكث من
هاتفها "النقّال".

"آة...ليت أبي لم يُهدها إياه..! "

تنظر إلى النسيم وهو يُداعب التويجات,وتسترق السمع لحفيف الورقات الصاخب.

تُراقب الشُجيرات الصغيرة وتتساءل بصمتٍ قاتل تُبديه زفراتها "كيف استطالت..؟! "

ترمق النحل وهو يرتشف الشهد مُنتشياً,فتهوي بيديها لتُمسك كأس الماء,اقترب منها كي
أُناولها الدواء,فتجرع جرعةً منه ثم تمجها على تلك الورود,فتتساقط قطرات الماء
كشظايا دُك بها انسجام النحل والورد.

***
أحمل روحي العطشى,في أكياسٍ صغيرة,ضمت أدوية جدتي,هُراء...ليست أدوية...!

إنها كبدي..!
***
لم تنمحي عن ذاكرتي تلك اللحظة التي قال بها الطبيب لأبي:

- أمك ليست مريضة.

أوه...ما أقساه,جدتي تتأوه ألماً,ولم يصف لها أيُ شيء...أيُ شيء.

قلبٌ يخفق سريعاً بوجلٍ,وعينٌ في خصامٍ مع النوم,ولا دواء..!

أيعجز الطب عن إيجاد حبيبات دواء لجدتي..؟

لم نترك طبيباً-قيل بأنه خير طبيب-إلا وذهبنا إليه,وهذه هي الحصيلة,أكياس تكومت بها
روحي..!
***
هاتف جدتي بين يدي,يرن فأخنقه بإصبعي.

- مي,من الذي هاتفني..؟!

- لا أحد , وأتمتم "إنها جارتنا الثرثارة"

- كفي عن اللعب به,أعطني إياه.

أصرت جدتي بأن تأخذه,وقبضتي تطبق عليه تود لو أن تُجهز عليه فلا يرن أبداً.

الجارة عادت لتتصل مرةً أخرى.

جدتي تستمع إليها مُبتسمة,ولم تلبث إلا أن عبست من جديد,واقتربت من النافذة
مُتلصصة
"أين النسمة الشاردة..؟ "

"أين النحلة الثكلى..؟! "

"أوه...تلك رأيتها,متى وكيف استطالت..؟! "

"وتلك لما استكانت..؟! "

***
أنهت جدتي حديثها ثم أمرتني أن أسرع لها بفُتات كبدي,أوه...كبدي أوشكت على
النفاد...!

سأحيى بلا كبد..!

عادت جدتي لتتسمر أمام شُرفتها,تُراقب النسمات وقلبها ينقبض وينبسط تباعاً مع تعاقب
النسمات.

استجمعت ما أُكن من قوة,وخطوت إليها بلا كبد,نظرت إلى عينيها السارحة هناك,ثم
أغلقت النافذة ووقفت أمامها وقلت:

"جدتي...ها هنا نسماتكِ...فحولي النظر إليها"
















قراءة أستاذنا القدير كمال أبو سلمى

إزاحة الغموض الذي يكتنف /غموض ..!
غموض...!
حول النص:

تنطلق صاحبة الخاطرة التي لاتعدو أن تكون فلاشات سريعة ,في أغلبها ,تستدرجنا كي
نغوص معها في محطات ووقفات ثابتة حينا وحينا متحركة ,وبدا لي أن كاتبتها متشبعة
ببديع إيليا أبو ماضي* الخمائل والجدائل *؛غير أنها كانت تنقصها الحبكة الفنية ,إلا أن
هناك تجديد في الحرية الفكرية من منطلق الصياغة والأسلوب الرصين ,والسهل البسيط
في جزالة ,ومما شد انتباهي تقاطع المحطات في نقطة تواصل واحدة ,هي
المساءلات ,فالمشاهد التي أحالتنا عليها كاتبتنا ,والتي بدت لنا بأنها أنثى من خلال
قولها في المقطع الرابع *مي ,من الذي هاتفني * على لسان الجدة ..ثم أن العنوان
تشويقي يحيل على الإستجداء والبحث المتواصل ,لأنه يسترسل في ماهية
الغموض..والغموض بحث متواصل في عري الأشياء ,في ثقافة الكائن والمتكون..


لازالت جدتي مُساجلة بين الوقوف على شُرفة حُجرتها وبين الجلوس على مُكث من
هاتفها "النقّال".

"آة...ليت أبي لم يُهدها إياه..! "

هنا وقفة أولى من محطات متتالية ترسم الحالة التي تحيلنا عليها كاتبتنا ,التي كانت
جدتها هي بطلة هاته التصورات العابرة التي تقتضي منا اقتفاء الأثر كتسجيل ومكاني
لمماحكة تمت في فضاءات رحبة حينا وأحيانا أخرى تخنقها أنفاس الضيق والوحدة
والعلة ,وتصور لنا حالة التنقل من شرفة البيت إلى محادثة عبر جوَّالها ,لتتحسر على
هذا الجوال الذي أهداه والدها لأمه..ضير أنها أخطأت في آهها فبدل آه,,كتبت آة..


تنظر إلى النسيم وهو يُداعب التويجات,وتسترق السمع لحفيف الورقات الصاخب.

تُراقب الشُجيرات الصغيرة وتتساءل بصمتٍ قاتل تُبديه زفراتها "كيف استطالت..؟! "


وقفة أخرى تبتعد عن الأولى من منظور الجمالية ,هنا النظر إلى النسيم كيف يكون ؟
لاشك أنه نظر قلب ,لانظر عين ,فمن المستحيل أن نرى النسيم ,إنما نتحسسه
وينعشنا ,ويسري بين الضلوع والأفئدة ,كريح طيبة ,عند صباح حالم..هذا النسيم الذي
يعانق تيجان الورد والزهر ,كينبوع يروي العي من مسغبة يوم قائظ,ولكنها أحالتنا على
استراق لحفيف الورق ,وقالت أن هذا الحفيف جاء صاخبا ,عهدي به أنه يأتي رحيما
يسيرا كالمتبسم في عين الليل ..كما أن الصمت القاتل يضمر ألما مرهقا..كدلالة على
مرض الجدة المتعب..

ترمق النحل وهو يرتشف الشهد مُنتشياً,فتهوي بيديها لتُمسك كأس الماء,اقترب منها كي
أُناولها الدواء,فتجرع جرعةً منه ثم تمجها على تلك الورود,فتتساقط قطرات الماء
كشظايا دُك بها انسجام النحل والورد.


إلى مملكة النحل الآن في رحلة تتوه في الجمال , وتتوق إلى شهد مصفى لذة
للسائغين,بقلب مرتعه اللذة ,ومرابعه النشوة ,ثم تصور لنا كيف تنحو بيديها الهزيلتين
لكأس الماء, وتساعدها في ذلك لأجل أن تجرع دواءها الذي تمجه وترميه كمن (يبخ )
الورد ,فيتشكل بهاء الرضاب ويتناسق في انسجامية ملهمة بين ورد ونحل ,إنها
فسيفساء تجلي الناظرين ,لو كانت عبر صباح نسائمي وبندى ذاك الباسم من الورق
والوقت صبح قد تنفس...

***

أحمل روحي العطشى,في أكياسٍ صغيرة,ضمت أدوية جدتي,هُراء...ليست أدوية...!
إنها كبدي..!

إنها تحلية للنص ,وترقيع للوهج الذي طفا كبلورات مرسومة على ذات مهترئة ,إنها
تواشيح من ألم مكتنز يتصيد حرارة ترتسم على صيف طويل,,هل الروح تحمل
؟؟ ,,ماأجمل هذا الوصف الذي يجعل من الروح وهي تلك المضغة التي تحملنا أحياء
وتنسفنا أمواتا,ثم هي روح عطشى ,ثم أن هاته الأدوية التي تعهدتها جدتها ,لأنهها كما
تقول هي كبدها ,ومتنفسها ,ماأرقى أن يكون من يطاببك يفهم علتك ويغوص في
أعماقك,,,

***
لم تنمحي عن ذاكرتي تلك اللحظة التي قال بها الطبيب لأبي:

- أمك ليست مريضة.

أوه...ما أقساه,جدتي تتأوه ألماً,ولم يصف لها أيُ شيء...أيُ شيء.

قلبٌ يخفق سريعاً بوجلٍ,وعينٌ في خصامٍ مع النوم,ولا دواء..!

أيعجز الطب عن إيجاد حبيبات دواء لجدتي..؟

لم نترك طبيباً-قيل بأنه خير طبيب-إلا وذهبنا إليه,وهذه هي الحصيلة,أكياس تكومت بها
روحي..!
***

هناك خطأ لايتورع عن صبه إلا من غفل عن أتون اللغة ,وقعت فيه كاتبتنا ربما سهوا
لأنني لمست فيها تمكنها من سلامة اللغة ,فقد قالت:

لم تنمحي عن ذاكرتي تلك اللحظة التي قال بها الطبيب لأبي:

- والأصح أن تقول :لم تنمحي من ذاكرتي تلك اللحظة التي قال فيها الطبيب لأبي:

- ومثل قولها كذلك *أوه*,,ربما قصدت أواه أو آه من التأوه,,أو التأفف ,لأن أوه لامحل
لها هنا..
- كما أن تشكيلها ل* أيُ شيء...أيُ شيء.*,غير صحيح والصواب :أيَّ .

- وفي* حبيبات*كان الأفضل لو قالت أقراص,,

ثم هي تقول أن القلب يخفق سريعا بوجل ..كيف يوجل هذا القلب وهو مضغة بين جنباتنا
يسيرها رب عادل كريم,وكيف اطلعت على خجله ,وهو نبض بين السرعة والبطء,,غير
أنه هاهنا كان سريعا ,بما يرجح فرضية المرض بتسارع دقات القلب بشكل غير
اعتيادي.

ثم تقول أن العين في خصام مع النوم ,ربما كانت تعني أنها في خصام مع الأرق
والهجود,,فالنوم يعني الإستسلام والخلود للراحة ,والأرق والهجود دليل حيرة
وتفكير ,أو مرض وعلة,,يجعل من صاحبه ساهرا طوال ليلته..وترحل بنا بعيدها إلى أنها
قد ضجرت من كثرة الأدوية التي تتعاطاها جدتها ,فكلما لاح لهم خبر طبيب حاذق وماهر
إلا واستطببوا لديه,,ولكن دون جدوى ..

هاتف جدتي بين يدي,يرن فأخنقه بإصبعي.

- مي,من الذي هاتفني..؟!

- لا أحد , وأتمتم "إنها جارتنا الثرثارة"

- كفي عن اللعب به,أعطني إياه.

أصرت جدتي بأن تأخذه,وقبضتي تطبق عليه تود لو أن تُجهز عليه فلا يرن أبداً.

تعيرنا كاتبتنا إلى الحوارية الطفيفة التي كانت بينها وبين جدتها ,أملا في إعطاء المسحة
الجمالية للنص ذي البعد الإنساني ,والحوار أحد عوامل البناء,كما أن الهاتف هو بؤرة
المحادثة ,ولب النقاش ,,ثم تخلق لنا فسحة أخرى من الحوارية ,بين الجنة
وكنتها ,وبين الجدة وذاتها ,هاته الذات المحصورة بين تنفيس وتحسيس :


الجارة عادت لتتصل مرةً أخرى.

جدتي تستمع إليها مُبتسمة,ولم تلبث إلا أن عبست من جديد,واقتربت من النافذة
مُتلصصة

"أين النسمة الشاردة..؟ "

"أين النحلة الثكلى..؟! "

"أوه...تلك رأيتها,متى وكيف استطالت..؟! "

"وتلك لما استكانت..؟! "***

أوجهك إلى تصحيح هذا الخطإ * ولم تلبث إلا أن عبست من جديد * والصواب إزالة إلا,,

وتصويب *"وتلك لما استكانت..؟! " * هكذا/ وتلك لم استكانت ؟!..

ثم هي تعيد تذكارنا إلى فواصل التيه والشرود:

أنهت جدتي حديثها ثم أمرتني أن أسرع لها بفُتات كبدي,أوه...كبدي أوشكت على
النفاد...!

سأحيى بلا كبد..!

إن الإعجاب يجيء عادة من صنع العبارة ,وسلامتها ,وقوة تأثيرها على النفس
المتلقية ,وتوظيفها في محلها يعني أن من كتبها يعني مايكتب ,ويفهم تركيبة ماصبه في
عمله الإبداعي ,ولكن ما لمسته من خلال توظيف الكبد وفتاته هنا ,بعيد برأيي كل البعد
ولو استدلالا أو حتى تشبيها أو مجازا,لأنه قد أضفى ثقلا غير محبب هاهنا ..

عادت جدتي لتتسمر أمام شُرفتها,تُراقب النسمات وقلبها ينقبض وينبسط تباعاً مع تعاقب
النسمات.

استجمعت ما أُكن من قوة,وخطوت إليها بلا كبد,نظرت إلى عينيها السارحة هناك,ثم
أغلقت النافذة ووقفت أمامها وقلت:

"جدتي...ها هنا نسماتكِ...فحولي النظر إليها"

هكذا تنهي كاتبتنا حواريتها ,وحكاية غموض استشرفت , انطلاقا من العنوان ,والتي
عليها تقليم الزوائد التي أشرت إليها ,وهي تحتاج إلى مزيد من الدراسة ,والعمل خطوة
خطوة حتى نصل جميعا إلى ثالثة الأثافي كما يقال ,ولايجب أن نستلهم الخيال ونلقي
بالبيان عرض الحائط ,إذ التفتيش في الأسلوب والمتن اللغوي , مع التمكن من أدوات
البناء والقراءة المستمرة,تعطي لناصية الكتابة السليمة إطارها اللائق ,ولو أنني لمست
أنه بإمكان كاتبتنا أن تكتب الأجود والأجدى لأنها تحوز على أسلوب سليم ,ولغة تتماهى
في جلاء السلاسة والرقة ,بإمكانها استثمارها وإنعاشنا بكل ماهو جميل ,,ولاتفشل فلكل
جواد كبوة ,والعمل يبدأ بخطوة لينتهي عند الألف ميل ,,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق