الأربعاء، 28 يناير 2009

الجزء الثاني والأخير :من رائعة ـستون عاما


الحلقة الثانية

في هات الحلقة تكملة للملحمة التي عايشنا فصولها ,واستلهمنا منها مايستدرك في عصر طغت فيه الماديات والكماليات على حساب المبادئ والمعتقدات ,وجرى فيه إنشاء للأحادية العبقرية ,فتجلت الحزازات الفكرية ,وانقطع التواصل بين أبناء البلد الواحد, والعرق الواحد, والأمة الواحدة ,وعاث الغرب واستتب في أرض العرب ,فقهر وشتت وأنفر واستنفر ,فكأنما ينفخ في جبل بلاأقوار ولاآكام ,فلاسبيل للقهر ,لامدعاة لرد المذلة,,وبقيت فلسطين وتلاها العراق أرضان من عمر العروبة تتوهان في دم وعرض وهم...

4

ستون عاما وهذا الغرب يحسدنا

لأننا فوق فردوس من النعم


وكل ذي نعمة محسود ياعبد الله ,فكيف لايحسدك هؤلاء وأنت من بطر النعمة أبناء عمومتك ينسلون كالجراد المنتشر مهطعين إلى الداعي ,لذتهم شهوة فانية ,وقبلتهم نشوة عابرة ,تكريس للنفاق ,وترتيب لخراب البيت ,وغدر لشيم التأصل والعروبة,,

لاح الشياطين فينا ألف قاصمة

ولقح الناس أمصالا من العقم


وكل الذي نستهلكه نحن العرب ,نبتاعه من الغرب ,فكيف بنا نأمن مكرهم ,فيشرب صغارنا حليبهم ,ونستهلك زيتهم ودقيقهم وخميرتهم وعجائنهم ,,نحن أمة مستهلكة ,لانعمل ولانأكل من عمل أيدينا ,,وللغرب فيما يفكر العرب شؤون..

ستون عاما وعجز دون معجزةٍ

شعارنا الهَمُ مشتقٌ مِنَ الهِمَمِ


وشتان بين الهم والهمم ,فهذا تشتيت للروح والذهن والملكة ,وذاك مناط العقل والقلب ,والجوارح,,

ستون عاما وهذا الغرب يملكنا

هم سادة وجميع العرب كالخَدَمِ


سيتجاوز الزمن حثالة الغرب ,ويصير للعرب كما كان ذاك البريق الذي يغنيهم عن مد اليد والإتكال على الغير ,تفاءل خيرا تجده ,ولو من باب التفاؤل الميسر..

ستون عاما وكالأعمى بلا نظرٍ

وزاد سامعنا صَمًا على صَمَمِ

سِتُونَ عَامًا بِعُمْرِ الأُمِ عَاربَةً

وَلاَ فِطَامٌ وَلاَ فَطْمٌ لِتَنْفَطِمِ


ولوأنها جرت مقادير القلم كما يدبر لها,وهي كذلك ,لكان بإمكان العرب تجاوز إحنهم ومحنهم,ولعاشوا بالمأمون والمؤتمن ,ولكن ركبت الآلة قائدها ,وسارت السفينة عكس ماتشتهيه الريح..

وبعد ستين هذا الكهف يجمعنا

فلا نفرقُ بين الحُلْمِ وَالحِمَمِ


ربما كان كهف الجامعة العربية مزارا ومحجا لتفتيت الهمم والهوامش التي تطاول مكانها لعقود وأجيال,,فيختلف عند فهم البعض فلا يفرق بين حلم همة, وحمى براكين..

إن قيل (غزة) باتت شبه محرقة

تنديدنا مُخْجِلٌ في هيئةِ الأُمَمِ


وغزة هي جوهرة المدائن العربية ,تناكحتها الألسن ,فمن مدكر إلى مستنكر ,إلى غاضب إلى مستبشر ,حاصرها الأذناب من كل باب,فجعلوا ليلها مظلما ونهارها محاصرا ,لاكهرباء ولاماء ولاأدنى متطلبات الحياة,,

وبعدَ عامٍ تُقِيْمُ العُرْبُ قِمَّتَهَا

ومثلُ سِتِينَ عَامًا،نَاتِجُ القِمَمِ


تلك هي النتائج ,وذاك هو المآل ,قمة تلو أخرى تشابهت التسميات واختلفت الأماكن ,ولكن النتائج في كل مرة شبيهة لأختها ,هذا حالنا والله المستعان..

تَعَولَمَتْ أَرْضُنَا وَاستَورَدَتْ عَجَمًا

وَخُوصَصَتْ وَتَسَاوَى العُربُ بِالعَجَمِ

ولأننا شعوب تتبع مايجري بالعالم ,وحتى وإن كان ذلك من قبيل "جوع كلبك يتبعك",فإننا مولعون بتقليد الغالب,وليس لنا ملاذ سوى الإنصياع لما يأمروننا به,فالخوصصة والخصخصة وأتباعها ماركات من قبيل هؤلاء..

5


ستون تُدبِرُ, لاَ رَأْس مُدبَّرَةٌ

والقَوْمُ مُدْبِرَةٌ خَوْفًا منَ التُهَمِ

من العجيب على الأخدود (غزتنا)

صهيون أمس وعاد اليوم بالجُرُمِ


إنه هاهنا يجرم بني صهيون الذين يحملهم أوزار كل المآسي ,والآلام التي تتقاسمها العديد من بلداننا العربية,وكل على شاكلته ,يبعد اللائمة ,حتى لايتهم ,ويصدق فيهم عكس قول الشاعر :

مكر مفر مقبل مدبر معا __ كجلمود صخر حطه السيل من عل


ماذا تبقى لنا من عيش فانية

ماذا تبقى وخير العرب في الخِيَّمِ ؟

دماؤُنَا مثلُ ماءٍ عِنْدَ قَاتِلِنَا

وَمَاتَ مِنَا جَمِيْلُ الطَبْعِ والشِيَّمِ


لن تموت الطباع والشيم ياعبد الله ,إنها جبلت معنا ,مغروسة فينا ,هل يمكن أن ينزع أباك وعمك وخالك طاقية الرأس 'شاشيته' ,وقد بلغ من العمر عتيا ,وهل يمكن أن تتخلى عجوز في الخمسين أو الستين عن شالها,أو يترك أبي وعمي سانية القهوة ,أو طست اللبن ,وعنقود التمر لضيف الصيف,,إنها طباعتنا إنها صناعتنا,وهي من أخلاق ديننا وأعرافنا...

من الهوان شذوذ الغرب يشتمنا

في ديننا وبنا صمت من البُكُمِ


"وفاقد الشيء لايعطيه ",والسفيه والشاذ والمحجور لايقاس عليه ,فمن سفه سفه به ,"وكما تدين تدان ",وهذا عدوك ,يقول فيك مايشاء,تلك أمانيهم ياعبد الله..."ويمكرون ويمكر الله ,والله خير الماكرين"

ولم تعد غيرة في الدين تُوخِزُنَا

عَلَى رَسُولٍ كريمٍ بالغ الكَرَمِ


ولكنني أجدها ياعبد الله ,فكل حسب مقدوره ,وميسوره ,فهنا وهناك هبة وهبات لله ولرسوله ,العزة لاتزال بالرجال ياخدن الألم ,ولن تثنينا عن محبتهما كل بطر وبطش الآخرين..ولو أن الدياثة ,والنفاق ,والكفر استشرى في كثير من أنصاف البشر,,

ستون عاما وفي التهميش مركزنا

من فيئةٍ عُرِفَتْ بِالصُّمِ وَالبُــــــكُمِ

وأنها سُلِّمَتْ أَمْسٍ لقاتلها

فاستسلمت ورضت بالسِّلْمِ والسَّقَمِ


لاتثني عزائم الرجال الشدائد والأهوال ,في سبيل أن ينكبوا وراء الأرض والعرض ,ولا اللغة ولا العرف,ومهما تقدمت السنون فسينجلي بيدق الجنون ,وتعود المياه إلى مجاريها..

في ظنها أن هذا الغَرْبَ مَدْرَسَة ٌ

لولاه ما خط في القِرطَاسِ بالقَلَمِ

ونحن لولاه ما كنا تَلاَمِذَةً

وَلاَ عَرَفنَا بُلوغ الرُّشْد والحُلُمِ


أبدا فأول من خط بالقلم هو نبي مرسل ,إنه إدريس عليه السلام,ونحن من برع في شتى العلوم والفنون ,ونحن الأعلى والأسمى فوق كل الضنون ,أما هم فقد أخذوا عنا ولكنهم حافظوا على ماأنتجته عبقرية أبناء العرب والإسلام ,فنحن منا الطبيب ابن سينا ومنا الفارابي ,ومنا ابن رشد وابن بيطار وابن خلدون والبخاري وابن ماجة,وسيبويه ونفطاويه وخالويه,,والقائمة تطول...ولكنهم منهم العدل ومنهم القسط فيما بينهم فسادوا وقادوا .."والعدل أساس الحكم..".

6


سِتُوْنَ عَامًا إِلَى السِتِينِ رَاحِلَتيِ

وَمَا مَضَى مِن سِنِين العُمرِ كَالعَدَمِ


وهكذا هي الحياة ,أعمار تتآكل,وأيام تمضي ,"إنما أنت أيام ,إذا انقضى يومك ,تناقص عمرك",ولكننا ولأننا لانستغل أوقاتنا فيما ينفع أمتنا فأعمارنا كالعدم,,,

في سيرة الحب مثل البُهْمِ شهوتنا

وقد تساوى محبُ اليوم بِالنَّعمِ


وإذا كانت القِبلة(الوجهة,وليست الكعبة) والمنتهى, شهوة ضافية ,كانت الوجهة والمحل غبوق في عري الزمن المبتور,,كانت ملاذا من جحيم إلى جحيم,أما ماتعارف من الحب فهو أرقى من الذي يعنيه الوصف..

لجاهل اليوم أموال يقدسها

كجاهل الأمس ميالٌ إلى الصَّنَمِ


وما أكثر جهال اليوم ,وماأشد الحنين إلى جهل الأمس فيهم ,ضير أن البون شاسع ,فجهل الأمس جهل معتقد وتوحيد ,وجهل اليوم بلادة في العقل ,وإكبار للظلم ,ورعونة في الفكر,وعطالة في الذهن,,,

يُصَادَرُ الحَقُ مَا للنَّاسِ أَغْلَبُهَا ؟

تَغفُو وَتَصْحُو بلاَ حِسٍّ وَلاَ ذِّمَمِ


إذا ضاع الحق ,وتستر أهل اليقين عن أهل الفجور,وتألب الجهل كماركة حية,وغدا المحق في أعين الأنذال بليد الذهن شارد الفكر ,نما وترعرع ,وعشش الظلم ,واصبطرت الشبهات,وعلت صيحات الشر أينما وليت وجهك ,,


زَعَامة عمرها السِتِين لاهثة

تلك المصيبة جَرَّتْ قِلَّةَ الفَهَمِ

يا قُدسُ جِئْتُكَ هَذَا اليَوم مُعتَذِرًا

وَمُسْتَعِيذًا .. فَانَّ الظُلْمَ كَالظُلَمِ


وهل بإمكان القدس أن تتدحرج عن وفاقها ,وخطها المتساوي,ذاك الذي رسمه صلاح الدين ,في عهد الثروة الإيمانية العربية ,ألم يحن الوقت لنقطف تلك الثمار اليانعة ,ونأكل من بسيط مانثرته أيادي أجدادنا الأولين ,,تراه يعود الزمن ,وتعود إلينا قدسنا والمصلى ,,ذاك أمل تبقيه فينا الذاكرة..


أَنْ وَجَّهَ الأَعْرَابُ قِبْلَتَهُمْ وبعد

إِلَى المُحِيطِ كَأَتبَاعٍ مِنَ الحَشَمِ


في إطار مايعرف بالعولمة ,والإيديولوجية المستحدثة ,تطفو وتنمو حزازات مجتمعية ,تدعو إلى فك العزلة ,إلى الماضي العتيق ,وغشيان الساحة بأشياء مبتكرة ,تساعد على إنماء الفكر ,وتوطيد الذهن على قاعدة متينة ,هذا الجانب الإيجابي قد يراه البعض كذلك ,وقد تراه البقية ذر رماد في عيون التاريخ ومستقبل الأمم..

وَبَعْدَمَا اسْتُفْحِلَتْ أَمْرَاضُ أُمَّتِنَا

بين التَّقَاعُسِ وَالتَّرمِيلِ وَاليَتَمِ


أَشْكُوكِ َقومِي وَقَد بَاعُوا قَضِيَّتهمْ

وَجَرَدُونَا مِن الأَنْسَابَ والقِيَّمِ


مِنْكَ السَّلامُ وَمِنْكَ الحَربُ قَادِمَةً

يَا قُدسُ يا حرمًا يَا ثَالِثَ الحَرَم

كانت تلكم صيحة شاعر هب من هبوب المتأثر بالأرض والعرض ,شاعر توشح الهم والحزن ,ولبس عباءة أبيه وجده ,ليثور لأجل أن تعود الأرض لأهلها ,والعرض يأخذ مسلوبوه حقهم من سالبيهم ,ملحمة تأخذ في مد التاريخ ,تبدأ من جيل الأولين ,لتعرج على فتح المسلمين ,مشيدا برفعة هذا الدين وأولئك الذين امتحنتهم مسؤولياتهم ,فسادوا وحكموا بالعدل فنالوا رضى الله والعباد ,ويحكي عن طائفة أخرى أعطت العهد باتباع الأثر فخانت الغثر ,ورمت الأمانات بجانب التفاهات ,فتفهت وسفهت أحلامهم "ومابني على باطل فهو باطل" ,"والشقي من شقيت به أمته" ,(تلك أمة قد خلت ) .
ثم جاء من بعدهم من حفظ الوديعة ,وصان الأمانة ولكنه ماظفر بالأمان ,لأن ديدن الناس صار " أنا وبعدي الطوفان",,طرز الناس أفكارهم من صنيع المذلة ,فباءو بغضب من إخوانهم وأعمت الشهوات قلوبهم وتقالوا الأمانة وضيعوها ,فجاء من يمكر بهم وهم في عقر دورهم,,,وفلسطين التي كانت محج هاته الملحمة ستبقى ذاكرة الذهن العربي والإسلامي المغلوب على أمره,ستبقى لها الكلمة الطولى لأجيال وأجيال ,لأن العرق دساس ,والأرض كالعرض ,صنوان وشريكان لقلب واحد,,فشكرا شاعرنا الرائع عبد الله جدي,,شكرا لابن الأصيل الذي تأصلت فيه روح العروبة وريح الإسلام..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق